الوجه الآخر للحرب.. المغرب يستفيد من الأزمة الروسية الأوكرانية في رفع مداخيله من صادرات الفوسفات
الكثير من التأثيرات السلبية للحرب الروسية على أوكرانيا وصلت إلى المغرب خلال الأسابيع الماضية، وفي مقدمتها ارتفاع أسعار واردات الطاقة والقمح والشعير في السوق الدولية، والتي تتوقع حكومة الرباط أن تؤدي إلى مزيد من رفع الأسعار محليا، لكن هذه الأزمة قد يكون لها انعكاس إيجابي أيضا على الاقتصاد المغربي، خاصة إذا ما استطاعت المملكة تقديم نفسها كبديل منطقي ومفيد لبعض المواد التي أضحت روسيا ممنوعة من تصديرها، وفي مقدمتها الفوسفات.
وطالت العقوبات الأمريكية والأوروبية الصادرات الروسية، ومن بينها الفوسفات الذي يدخل في مجال صناعات الأسمدة والتي كانت موسكو لسنوات إحدى الفاعلين الرئيسيين في سوقه الدولية إلى جانب المغرب والصين والولايات المتحدة الأمريكية، باحتلالها الرتبة الرابعة على مستوى المُصَدِّرين بمتوسط سنوي يبلغ 14 مليون طن، وهي كمية كبيرة سيحتاج العالم إلى من يغطيها وقد يكون المغرب البلد الأنسب للعب هذا الدور الاقتصادي لعدة اعتبارات.
وتحتل الصين الرتبة الأولى عالميا على مستوى صادرات الفوسفات بما يبلغ 100 مليون طن سنويا في المتوسط، متبوعة بالمغرب الذي يُنتج 36 مليون طن سنويا، في حين تحتل الولايات المتحدة الأمريكية الرتبة الثالثة بصادرات تصل إلى 23 مليون طن، ويُمكن القول إن هذا الثلاثي سيتصدر سباق تعويض الفراغ الذي سيُخلفه غياب الفوسفات الروسي عن السوق الدولية، مع وجود امتيازات واضحة للمغرب تلعب فيها السياسة والطبيعة والجغرافيا دورا كبيرا.
فسياسيا، لا يميل الأوروبيون تحديدا إلى الصين كبديل أول لروسيا نتيجة تحالف البلدين اقتصاديا وعسكريا، بل إن بيكين أضحت متهمة بتوفير الدعم السياسي للحرب الروسية على أوكرانيا، أما جغرافيا فإن المغرب أقرب من الصين والولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتحاد الأوروبي، وعلى أراضيه يوجد أحد عمالقة الصناعة الفوسفاتية عالميا، ويتعلق الأمر بالمكتب الشريف للفوسفات الذي يتوفر على الإمكانات المادية واللوجيستية لرفع مستويات الإنتاج.
ويملك المغرب أيضا ورقة هامة أخرى هي ورقة الاحتياطيات، فالمملكة هي الأولى عالميا في مخزون الفوسفاط بـ50 مليار طن، وهو ما يشكل 72 في المائة من إجمالي احتياطيات هذه المادة على مستوى العالم، متبوعا بالصين بفارق كبير والتي تملك احتياطيات تصل إلى 3,2 مليار طن، أما تقديرات الاحتياطات الأمريكية فتصل إلى 1,1 مليار طن، تليها احتياطيات روسيا المُقدرة بـ600 مليون طن.
وستمثل العقوبات الدولية على روسيا فرصة للمغرب للتفوق على الروس حتى في الاستثمارات الخارجية فروسيا بدأت في 2017 محاولات للوصول إلى أسواق جديدة عبر استثمارات في سوريا عن طريق شركة "ستروي ترانس غاز" التي حصلت على عقد لمدة 50 سنة يسمح لها باستخراج هذه المادة من المناجم السورية بوتيرة سنوية تصل إلى 2,2 مليون طن من احتياطيات إجمالية تصل إلى 105 ملايين طن.
وكان المغرب قد دخل بدوره عالم الاستثمارات الخارجية في مجال الفوسفات ومشتقاته، والبداية كانت من نيجيريا التي أعلن المكتب الشريف للفوسفات سنة 2019 أنه قرر إنشاء مصنع للآمونياك فيها بطاقة إنتاجية تصل إلى مليون طن من الأسمدة و750 ألف طن من الآمونيا سنويا، وفي 2021 أعلنت الحكومة الإثيوبية أنها وقعت اتفاقية مماثلة مع المكتب ذاته لإنشاء مصنع للأسمدة وآخر لحمض الفوسفوريك.
ويعتمد الاقتصاد المغربي بشكل كبير على الفوسفات لتقليص العجز التجاري وكمَصدر للعملة الصعبة، وفي سنة دجنبر من سنة 2021 أعلن مكتب الصرف أن صادرات الفوسفات ومشتقاته وصلت إلى 79,89 مليار درهم بارتفاع فاق 57 في المائة مقارنة مع سنة 2020، وهو ما جعله ثاني أكبر قطاع مُصَدِّر بالمملكة بعد قطاع السيارات الذي أدخل إلى خزينة الدولة 83,78 مليار درهم.